نقلاً عن
نادي المال والاعمال - القاهرة :
اتفق علماء المسلمين، في مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي، على أن دعم الاقتصاد المصري في الظروف الحالية واجب على كل المصريين، ومن أهداف الإسلام الأساسية.
وأشار الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بفكرة استثمار الفقه الإسلامي في توفير الدعم اللازم للاقتصاد دون الاقتراض أو الاستدانة من البنوك والدول الخارجية، فأصدر فتوى يمكن بمقتضاها أن توفر مصر ما يقرب من 2 مليار دولار، عن طريق دعوة الراغبين في أداء العمرة أو الحج إلى توجيه المبالغ التي خصصوها لهذا الغرض لصالح صندوق يدعم اقتصاد البلد في الظروف الراهنة.
وقال القرضاوي في فتواه، إنه إذا حل ظرف طارئ ببلاد المسلمين عانت فيه من الشح في الموارد المالية، فلولا الأمر، أن يقيد العمرة، لأنها نافلة وليست فرضا، ويسرى ذلك أيضا على حج التطوع، الذي يعد نافلة بدوره المسلم مكلف بحجة واحدة وما زاد على ذلك عد نافلة، والقيد هنا ينصب على الحالة التي يدفع فيها الراغب مالا للحج أو العمرة، ولا يشمل ما كان منها بالمجان، وإذا أودع المسلم حصته من المال في هذه الحالة بعد أن عقد نيته على السفر، فإن العمرة أو الحجة تحسب له، أما توجيه الزكاة لصالح إنقاذ اقتصاد البلد المسلم أو حتى تنميته والوفاء بحقوق أهله، فذلك مما يعد في سبيل الله، الأمر الذي يدخل ضمن المصارف الشرعية المعتبرة.
وقال الدكتور عبد المعطى بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إذا حل ظرف طارئ بالدولة وعانت من نقص في المال، فيجوز توجيه المبالغ التي خصصها المسلمون لأداء العمرة في صندوق يدعم الدولة، وذلك لأن العمرة نافلة وليست فرضا، ويسرى ذلك أيضا على حج التطوع، الذي يعد نافلة، والمسلم مكلف بحجة واحدة وما زاد على ذلك عد نافلة، وكان الصحابة والتابعون إذا وجدوا عملا خيرا كصدقة جارية يعطون فيها أموالهم خيرا من الحج والعمرة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال، "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له".
وأكد الشيخ على عبد الباقي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أنه يجوز توفير نفقات الحج لدعم الاقتصاد، إذا كان المسلم قد أدى الفريضة ويريد أن يذهب للمرة الثانية، فيجوز أن يوجه تكاليف الحج، لأنها تكون نافلة، إلى أبواب الخير، وأوجه الخير متعددة وهى إعطاء الفقراء، ومنها أيضا دعم الاقتصاد للدولة، لأن عبد الله بن المبارك، كان يحج ووجد امرأة فقيرة في الصحراء كانت تطبخ طيرا ميتا لأبنائها فتعجب لأمرها وترك كل متاعه الذي كان يحمله للحج لها، ثم عاد إلى بلده دون أن يكمل رحلة الحج، ولم تكن المرة الأولى لخروجه للحج، لذلك يجوز أن يوجه الدعم لاقتصاد الدولة ويؤجر عليه.
أما الدكتور عبد الله ربيع، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، فقال، إذا أراد الإنسان أن يؤدى فريضة الحج بعد أن أدى المرة الأولى وكانت الدولة تمر بضائقة أو أزمة مالية، فالأفضل ألا يؤديها في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، ولكن يكتفي بالحجة والعمرة الأولى، لقوله تعالى "وأتموا الحج والعمرة لله"، شرط أن يتحرى محل الصرف بحيث تذهب الأموال التي كان سينفقها على الحجة أو العمرة لدعم الدولة في أوجه الصرف الحلال والمباحة.
وأكد الشيخ شوقي عبد اللطيف، وكيل وزارة الأوقاف، أنه يجوز تخصيص جزء من الزكاة وتوجيهه في خزينة الدولة، للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني وإعادة بناء مصر، ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"، وهنا دعم ميزانية الدولة واقتصادها يعد "في سبيل الله"، لأن الدولة تستخدم هذه الأموال في بناء المستشفيات وعلاج المرضى وغيرها من الأعمال التي فيها خير لصالح الأمة كلها، ولكن تجب التفرقة بين أداء فريضة الزكاة وبين الضرائب.
واتفق معه الدكتور عبد المعطى بيومي، والشيخ شوقي عبد اللطيف، والشيخ على عبد الباقي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية.
وأكد الدكتور عبد الحي الفرماوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر الشريف، أن الصدقات تجوز على الفقير والغنى ويجوز توجيه الصدقات لخزينة الدولة أو صندوق يدعم الاقتصاد، وذلك لقوله سبحانه وتعالى "وآت ذا القربى حقه"، الآية القرآنية لم تحدد هل القريب غنى أم فقير، والبلاد في حالة أزمة اقتصادية ونقص في المال، وهذه الأزمة تعود على كل أفراد الأمة، فيجوز التصدق لدعم خزينة الدولة وإعادة بناء الاقتصاد بشرط إذا جمعت أموال الصدقة بأمانة ووزعت بأمانة، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أسقط حد السرقة في عام المجاعة وهذا دليل قوى على جواز التصدق لخزينة الدولة، لأن الأزمات لها أوضاع خاصة، والأزمة الراهنة التي تمر بها مصر تبيح الصدقات لحل الأزمة وفك هذه الغمة.
أما الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فقال إنه يجوز التصدق لدعم الاقتصاد المصري ويؤجر على ذلك، لأن أوجه التصدق عديدة بحسب النية، فإذا كانت النية هو التصدق لدعم الاقتصاد فيجوز.
وقال الدكتور محمد أحمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إن صرف أموال الوقف لابد أن تكون موجهة في الوجهة التي أرادها الواقف، فلا يجوز تغيير المصرف الذي عينه الواقف للأموال التي وقفها، ولهذا اشتهر في كلام الفقهاء أن نص الواقف كنص الشارع، بمعنى أنه يجب احترام ما حدده الواقف، فيجوز للواقف أن ينص على عائد وقفه، سواء كان عقارات أو أراضى أو أموالا سائلة، وأن تكون عوائدها للدولة وتنفق على المصالح العامة مثل هذه الوقف، بل يعد الوقف من المستحب بزيادة في ظروف الدولة المحتاجة، والقرآن حث على الإنفاق في وجوه الخير التي منها المنقطعة والمستمرة، والوقف يعد من وجوه الخير المستمرة.
وقد ورد في صـحـيـح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، "أصاب عـمـر بخـيبر أرضا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفـس منه، فـكيف تأمرني به، قال، إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، فتصدق عمر، أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، وإنما هي صدقة في الفقراء والقربى والرقاب وفى سبيل الله والضيف وابن السـبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه.
ويرى الدكتور محمود مهني، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه يجوز ترشيد نفقات الزواج والمساهمة في دعم الاقتصاد، فالزواج ليس فيه إلا مأدبة طعام والذبح سنة مؤكدة في الزواج، والرسول صلى الله عليه وسلم، قال لمن أراد الزواج "أولم ولو بشاة"، فكل ما يفعل غير ذلك فهو من السرف الممقوت، فالزوج والزوجة ليس عليهم إلا ذبيحة يطعمون بها الفقراء والأصحاب وباقي تلك الأموال ترسل للدولة لمساعدتها في محنتها الراهنة.
والدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية السابق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، قال إنه بخصوص توجيه الأموال إلى دعم الاقتصاد بدلا من بناء المساجد، فإذا كانت المنطقة التي سيبنى بها المسجد بها ما يكفى من المساجد وتقضى حاجة المسلمين، فإنه يجوز أن تذهب تلك الأموال للفقراء والمساكين ودعم الاقتصاد، بحسب قوله تعالى "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، فكلمة في سبيل الله تشمل الجميع ودعم الاقتصاد هو إنفاق في سبيل الله.