نقلاً عن
نادي المال والاعمال - الاردن : رحل ، الأحد الماضي ، الشاعر واللغوي الأردني د. جميل علوش ، عن ثلاثة وسبعين عاما.
وعلوش ، عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، كان ولد في مدينة بيرزيت الفلسطينية عام 1937 ، وقد تخرج في جامعة دمشق عام 1967 حاصلاً على الليسانس في اللغة العربية ، ومن جامعة القديس يوسف في بيروت حاصلاً على درجة الماجستير في النحو العربي عام 1972 ، وأتم دراسته للدكتوراه في النحو العربي من الجامعة نفسها عام ,1977
وكان علوش ترك ثلاثة عشر ديوانا شعريا ، وأكثر من أربعة عشر كتابا في النحو والإعراب واللغة العربية والنقد. وهو شقيق الناقد والكاتب والسياسي المعروف ناجي علوش وقد نعته رابطة الكتاب الأردنيين ، وكان قبل وفاته بسنوات يعاني من مرض عضال منعه من المشاركة في النشاطات الأدبية.
وبهذه المناسبة الحزينة تحدث لـ "الدستور" عدد من اصدقائه المثقفين و المبدعين الأردنيين الذين جايلوه وربطتهم معه صداقة طويلة.
ناجي علوش:
أكبره بعامين ، عشنا معا ، وانتقلنا إلى الكويت معا ، وتعلمنا العربية معا ، وزاد اهتمامنا بها معا أيضا ، وإذا كانت السياسة قد أخذت مني كثيرا من الإهتمام ، فإن جميلا ظل مواظبا على الدراسة والتحصيل.
بعد سنوات طويلة عدت إلى المسار نفسه في الإهتمام باللغة ، وكنت مع شقيقي نتبادل الكتب والرأي والحوار ، وأن وفاته تشكل بالنسبة لي صدمة قوية ، فقد شعرت أن جزءا مني قد سقط برحيله ، فقد كان جميل لغويا كبيرا بل كان عالما لغويا بحق ، وهو أخ بكل معنى الكلمة وقد كان وفيا وصادقا وامينا.
لم ينتم جميل لأي حزب سياسي ، لكن موقفه السياسي الذي يمكن قراءته جيدا من خلال اعماله وآثاره هو موقف قومي عروبي ، وكان مع التحولات الثورية والديمقراطية في الوطن العربي ، ولم يكن هناك اي ضعف في موقفه السياسي ، فقد ظل دائما مع الحركة القومية والثورية والديمقراطية.
برحيل أخي وشقيقي جميل أشعر أن ركيزة من ركائزي النفسية والثقافية قد انسلخت عني ، فقد كان عاشقا كبيرا للغة العربية بروعتها وإبداعها وظل طوال حياته قارئا نهما لم يتوقف عن القراءة والمتابعة وتعد مكتبته واحدة من أغنى المكتبات في هذا المجال.
د. محمد جمعة الوحش:
كان د. جميل علوش موهبة وقامة ثقافية ولغوية متميزة ، وكان في كل لقاءاته وجلساته التي تناقش قصائد النثر والتفعيلة والعمودية يظل منحازا الى الأصل متمسكا بالقصيدة العربية العمودية غير مؤمن بشكل القصيدة الحديثة .
يعجبني تمكن د. علوش من لغته ومن دفاعه الشديد عن اللغة العربية وهو يتمثل حالة إزدهارها الرفيع في القرنين الثاني والثالث الهجريين حين كانت في أوج عظمتها وتطورها.
لا يستطيع أي دارس للأدب الحديث في الأردن أن يتجاوز هذه القامة الأدبية الرفيعة والتي عاشت إلى لحظة موتها وهي متمسكة بأصالة التراث رافضة كل ما من شأنه النيل من هذه الأصالة.
كان يعتبر قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة نوعا من التكسير في الثوابت اللغوية ، ومع أنني لم أكن مؤمنا وما زلت بتلك العصبية التي كان يبديها في مواقفه ، باعتباري منحازا للتجديد وأتعارض مع مدرسته النقدية ، الا أنني مازلت معجبا بثباته على موقفه ودفاعه عن قناعاته ، فقد كان المرحوم صاحب حجة في دفاعه عن اللغة والتراث العربيين.
سليمان المشيني:
مَن بعدَكَ الشـعرَ المجنحَ ينشدُ
يا شاعرَ الشعراءً إنـكَ أوحدُ
إن "علوش" كان واحدا من الشعراء العرب المميزين ، ليس على مستوى الاردن وفلسطين فحسب ، بل على المستوى العربي ، وهو علم من اعلام اللغة وواحد من القلة القليلة من الشعراء الذين يمتلكون قدرة لغوية متميزة.
لقد كان رحمه الله استاذ جيل وله أياد بيضاء على أجيال عديدة في فلسطين والأردن والخليج العربي ، ويقف في طليعة شعراء الوطنية العرب ، بل هو واحد من كبار شعراء فلسطين الذين دعوا للدفاع عنها والدفاع عن عروبتها كما كان عروبيا وحدويا في سلوكه ومواقفه ، ولم يهادن حتى وهو يواجه المرض العضال بكل قوة وكبرياء.
ان الشاعر الدكتور جميل علوش هو فقيد الأمة وكان رحمه الله من أشد المدافعين عن اللغة العربية حين شعر أن اللغة تتعرض لمؤامرة ونحن نعرف ان العبقري يطوي في حياته اجيالا عديدة واذا مات فانه في طريقه الى الخلود.
لن أستطيع بهذه السطور ايفاء الشاعر حقه علينا وعلى اجيال الأمة ويكفي القول إنه كان مخلصا لأصدقائه وقد انشأ أسرة هي مصدر إعتزاز له ولنا جميعا.
في أيام مرضه لم يستسلم الشاعر فقد أصدر ديوانه الشعري الأخير وكأنه يودع اصدقاءه في وقت ظلت فيه مؤلفاته في الأدب واللغة تمثل مرجعا مهما للأجيال الشابة.
أديب ناصر:
جميل قريب وجار وزميل وابن بلد ، وابن عائلة نابغة ، ولقد كان محبا للعربية وأجاد فيها وكان مخلصا لمهماته التربوية والوظيفية له ثلاثة عشر ديوانا شعريا وثلاثة عشر مؤلفا أدبيا ونحويا وعشرات الابحاث ، قبل شهور أصدر ديوانه الأخير بعنوان "آخر المطاف" وكان وداعيا بصورة لافتة ، ففي مقدمة الديوان اعترف بقلمه ان التسمية تحمل كثيرا من اليأس والتشاؤم وذلك بسبب الكبر والمرض ، كما قال ، فهل كان يخشى المرض والموت وهو القائل:
"فتقبل إرادةَ الله في الحقً
فللحقً حافظّ ووكيلُ"
.. إنني حزين لفقده وأردد بيته الشعري:
"الوداعَ الوداعَ لن نلتقي بعدُ
وقد فارقَ الخليلَ الخليلُ".
مريم الصيفي:
شاعر مبدع و معرفتي فيه بدأت خلال إقامتنا معا في الكويت وقد كان صديقا للعائلة أيضا ، ولأخي الشاعر مصطفى الصيفي ، فقد كنا نجلس مع بعضنا البعض باستمرار ونستمع الى شعره ونتحدث في قضايا أدبية متنوعة بالاضافة الى هموم الأمة وقضاياها الكبرى.
لقد كان ، رحمه الله ، شاعرا جميلا ومثقفا واعيا إلى حد كبير وبعيد ، وهو أيضا كان من رواد صالوني الأدبي وحضر الكثير من لقاءات الصالون وخاصة في السنوات الأولى من عودتي الى الاردن ، والتقى بالعديد من الشعراء الأردنيين والعرب من خلال أمسيات الصالون وفعالياته المختلفة ، والراحل كان ناقدا ولغويا مهما ومن أبرز الأكاديميين في جامعاتنا حيث أحبه طلابه وفضلوا مساقاته الدراسية التي كان يطرحها.
رجا سمرين:
كان صديقي الأثير وقد أهداني الكثير من دواوينه بخط يده ، تلك الدواوين التي يبرز فيها نهجه الوطني والقومي ، وهو شاعر عربي كبير خسرته القضية الفلسطينية التي دافع عنها بضراوة.
تمسك الراحل الكبير د. جميل علوش بالأصالة ولم ينجرف خلف بريق الحداثة بمفهومها السطحي لدى البعض ، فالحداثة عنده لا تعني التقليد والجري وراء الموضة الشعرية وتقليد كل مايجري في الغرب دون فهم المعطيات الأدبية بصورة حقيقية ، الحداثة بنظره هي ان تلتزم بقضاياك القومية والاسلامية وتصور ذلك كله بأسلوب لا ينقطع عن التراث والأصالة الشعرية.
لقد كان شعره رحمه الله حسن السبك وذا جودة لغوية عالية وإن كان قد سبق عصره في طرح القضايا الانسانية الا أن قارئه يشعر أنه أمام شاعر عباسي أو أموي في أسلوبه.