نقلاً عن
نادي المال والاعمال - جدة:  تتبعت طبيعة بلادها بروحها وإحساسها وتشربت جمالها من أقصاها إلى أقصاها، لم تترعرع فيها ولم تعايشها، لكنها سكنت بداخلها وتقمصتها.. لم تراها ببصرها لكنها أدركتها ببصيرتها.. فالبصيرة كما ترى المصلي هي التي تبصر وتشاهد وتسجل وتختزن وليس البصر فحسب..

تخليد وتأريخ
الفنانة التشكيلية نوال المصلي تروي لنادي المال والأعمال قصة معرضها الأخير المقام حالياً في مدينة جدة بعنوان" رحلتي في ربوع بلادي.. زادي ريشتي وألواني" عبرت من خلالها فيما يربو على 150 لوحة فنية عن تاريخ وتضاريس مناطق مختلفة من المملكة بخطوط صادقة وإحساس قوي جارف وألوان زاهية.. فالفن التشكيلي كما تقول المصلي:" ليس مجرد رسم أو تصوير بل هو رسالة أعم وأعمق، هو تخليد لذاكرة جيل وتأريخ لمسيرة وطن وشعوب وحياة".

رؤية تأثيرية
جاءت لوحات الفنانة نوال المصلي معبرة أصدق تعبير عن مناطق وأقاليم مختلفة من البيئة السعودية برؤية تأثيرية لها نمط ومضمون.. عمدت الفنانة إلى تأليف مجموعة من المرئيات" "البيزاجية" ركزت فيها على الخاصية "الكونتراستية" التصادمية بين قوتين لونيتين استمدت مقوماتها من التمازج بين الخضرة والصحراء. استغلت الفنانة نوال الألوان الحارة في مشاهدها الطبيعية من اللون الأخضر في تصوير الجنوب والوسط بتضاريسها وسهولها إلى البني في تصوير المنطقة الغربية بأماكنها المقدسة وأزقتها ومبانيها الأثرية.

إحدى لوحات مجموعة المنطقة الوسطى

الفن التشكيلي وأدب الرحلات
• توجهنا للفنانة نوال بسؤال عن أبرز الملامح التي ميزت هذا المعرض؟
المعرض الحالي يمثل الجزء الأول من المرحلة اللونية للمنطقة بدأت الفكرة كدراسة للون ثم امتدت وتطورت لتصبح دراسة للمكان أيضاً إلى جانب اللون، جمعت هذه المجموعة بين الفن التشكيلي وأدب الرحلات، وأبرز سماتها التعبير عن الثقافة والهوية الإسلامية وخصوصيتنا من خلال استخدام اللون الأساسي دون مزج، بالإضافة إلى البعد عن التشخيص، فمنذ البداية كان لدي توجه لأن يكون لي هويتي الخاصة المستقلة التي أجيد التعبير عنها، ورغم أنني لم أزور الجنوب لكن إلمامي وإحساسي بالطبيعة كان دائماً الموجه، فأنا عشت في الطبيعة وفهمتها، وجذبتني خصوصية طبيعة الجنوب المختلفة فهي غير متشابهة وبها حركة وصعود وهبوط.
•     هذا كان الحال في لوحات الجنوب فكيف مع اللوحات التي عبرت عن "مكة" موطنك الأصلي؟
أنا حتى لم أسكن في مكة لأنني بحكم عمل والدي في السلك الدبلوماسي قضيت أكثر أيام حياتي في الخارج، ولم أشاهد مكة إلا لفترات عابرة أثناء زيارتنا لها، لكن هذه اللحظات العابرة بقيت في ذاكرتي بمباني مكة القديمة وأزقتها ومدرجاتها فهي التي سكنت وعاشت بداخلي وإن لم أسكن فيها.

 
دور الفنان
• كيف يمكن للفنان من وجهة نظرك أن يقدم عمله ويعرف به؟
لا بد أن نعترف بداية أن الموهبة وحدها لا تكفي بل الفنان بحاجة إلى الذكاء أيضاَ والتفرغ فالفن يحتاج إلى تفرغ ولا يمكن أن يكون له شريك، وهنا تكمن الإشكالية الحقيقية للفنان، إذ كيف له أن يقوم بشؤون حياته الأخرى إذا لم يجد الدعم الكافي الذي يؤمن له ولأسرته حياة كريمة حتى يستطيع أن يتفرغ لفنه ويؤدي رسالته تجاه مجتمعه ووطنه على أكمل وجه، أنا والحمد لله ساعدتني ظروفي ودعم أسرتي ابتداء من الوالدين ولأخوة ثم الزوج بعد ذلك، لكن ماذا عن الفنانين الباقيين، الأمر حقيقة بحاجة إلى رعاية كاملة ومشروع متكامل لدعن الفن التشكيلي والفنانين والإيمان برسالته. فنحن كفنانيين نؤدي ما علينا وفق استطاعتنا والدولة مشكورة تؤمن لنا المعارض وتشجعنا، لكن كل هذا بحاجة إلى المزيد فمن الذي سيُعرف العالم بنا وبتراثنا وبحضارتنا، هم في الخارج- وأنا لمست هذا شخصياً أثناء زياراتي- متعطشين لمعرفتنا والعديد من المستشرقيين جاءوا إلى المنطقة وتلمسوها وتعرفوا عليها وعبروا عنها بلوحاتهم لكن نحن بحاجة إلى أن نعرفهم عليها بريشتنا بروحنا بإحساسنان فمهما كان جمال لوحاتهم ستبقى ميتة تفتقد الروح والإحساس االذي نمتلكه نحن ببيئتنا وطبيعتنا.

ترحيب وتشجيع
• ماتقييمك لردود الأفعال وتفاعل الجمهور مع المعرض؟
أتوجه بالشكر حقيقة لجميع الزملاء الذين أثروني بآرائهم وانطباعاتهم فهم دائماً الذين يشجعوني على المتابعة، فالمعرض قوبل بالعديد من ردود الأفعال الطيبة منذ اللحظة الأولى حتى أن بعضهم قال لي ذكرتينا بطفولتنا وبالحارات التي كنا نلعب بها، وهذا ما أسعدني لأنني لم أسعَ إلى رسم صورة أو منظر جميل فقط، ففي معظم لوحاتي لا يمكن رصد أية ملامح، بل سعيت لنقل إحساسي بالمكان والحمدلله أنني نجحت في إيصال ذلك.

رسالة عبر المال والأعمال
• ما أهم المشاريع المستقبلية التي سترى النور قريباً؟
كما سبق وأسلفت فإن هذا المعرض هو الجزئية الأولى من هذه المرحلة مرحلة اللون البني وستليها مراحل أخرى إنشاء الله، ولا يزال المشوار طويل، وفي كل مرة أشعر بالرهبة نفسها التي كنت أشعر بها في بداية مشواري، فكلما نجح الإنسان في مرحلة زادت الرهبة والخوف حتى يستمر ويحافظ على النجاح.

كلمة أخيرة.. أتوجه بها للفنانيين التشكيليين عبر المال والأعمال، فكلنا نبدأ بالرسم وهناك الكثير من الناس يجيدون الرسم، لكن دور الفنان التشكيلي أكبر من ذلك بكثير فبعد أن يصل الفنان إلى مرحلة مهمة في الرسم، لا بد أن يأخذ وقته في التأمل والتفكير حتى يستطيع أن يبلور رؤيته وهويته ويكون له وجود ويترك بصمته على الساحة التشكيلية، ما عدا ذلك سيكون مثله مثل غيره وسينتهي من حيث بدأ، ولا بد أن يقدم شيء.