المتتبع للفكر والسلوك التنموي للملك عبدالله-حفظه الله- انطلاقاً من يوم تسلمه قيادة الحرس الوطني عام 1382هـ, سوف يجد أمامه فكراً وسلوكاً يصب في التنمية البشرية كهدف استمر وتواصل, وحقق نتائج باهرة تجعل منه مثالاً يُحتذى, وتجعل من تلك التجربة نموذج ناجح نفتخر به وبما حققه للوطن والمواطن, فقد حول فكرة الحرس الوطني"من مفهوم عسكري قصد بها توطين المحاربين المجاهدين الذين شاركوا في توحيد المملكة العربية السعودية مع الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ إلى جهة حضارية صارت, وبلا أدنى جدال أهم وسيلة تنموية انتظمت فيها فئة أو شريحة من المجتمع هي الأكثر حاجة, والأكثر عدداً, والأكثر خطورة لو تُركت أو أُهملت. وهيأ لها السكن والرعاية الطبية والتعليمية والتثقيفية, حتى أصبحت فئة عاملة فاعلة نافعة.
كما حول الحرس الوطن من جهة يقتصر نشاطها على الرعاية الإجتماعية, إلى كيان رائد في كل مجالات التنمية الإجتماعية, فالحرس الوطني إحصائياً يأتي بعد وزارة التربية والتعليم من حيث عدد المدارس وعدد الطلاب, والحرس الوطني إحصائياً يأتي بعد وزارة الصحة في عدد المستشفيات وعدد المراكز الصحية وعدد المستفيدين من الرعاية الصحية. والحرس الوطني إحصائياً يأتي بعد الرئاسة العامة لرعاية الشباب في عدد المنشآت الرياضية وعدد المستفيدين منها وعدد المناشط والفعاليات الشبابية التي تنظمها. والحرس الوطني إحصائياً يأتي قبل الجميع بالنسبة لمنجزات الإسكان. فما من جهة حكومية أو خاصة نفذت وحدات سكنية بعدد وحجم وأولوية تاريخ الإستفادة منها كالحرس الوطني. فمشاريعه الإسكانية شُغلت بالمستفيدين منها مع مطلع عام 1405هـ, وتوزعت في مختلف مناطق المملكة.
الحرس الوطني أيضاً هو صاحب الريادة في تنظيم المهرجانات الثقافية ذات المستوى الدولي, فمهرجان الجنادرية بعمره المديد وتجربته الطويلة هو أكبر وأقدم مهرجان ثقافي تراثي تفاعلي سنوي في العالم. والحرس الوطني أيضاً هو صاحب المبادرة في إدخال العديد من النشاطات الرياضية كالفروسية والرماية, والبولنج, والبلياردو, والتنس الأرضي. إضافة إلى رعايته لألعاب القوى في زمن لم يكن لها راع.
مبادرات الحرس الوطني غطت كل مفصل من مفاصل التنمية, وبشكل فاعل ومؤثر وشامل. وهو ما لا يمكن قوله عن أي جهة من الجهات الحكومية الأخرى التي هي بحكم الواقع أكثر مدنية, وبكوادر أكثر تعليماً وبقدرات وإمكانيات تفوق ما كان متاحاً للحرس الوطني في مطلع تكوينه. وسيتم تناول كافة هذه المنجزات بالتفصيل في هذا البحث.
حينما يتفوق الحرس الوطني على جهات الاختصاص في نوع الخدمة, وإن لم يتفوق في العدد كما في حالات الصحة والتعليم ورعاية الشباب. وحين يتفوق الحرس الوطني على جهات الإختصاص في نوع الخدمة وفي العدد أيضاً, كما في حالات الإسكان والثقافة. وحينما يتفوق الحرس الوطني في الريادة والمبادرة في تعريف المجتمع على فعاليات ونشاطات ثقافية ورياضية وفنية جديدة عليه. فإننا نتساءل: من وراء تحقيق كل ذلك؟, ولماذا لم يقتصر دور الحرس الوطني كما خُطط له أن يكون جهازاً عسكرياً. الهدف من إنشائه التوطين وغايته الوفاء لفئة تستحق الوفاء؟, من الذي دفع بالحرس الوطني للمبادرة والقيام بكل تلك الأعمال؟. ومن الذي جعله يتحمل أعباء مسؤوليات كان يمكن أن لا يلتزم بها؟ ولماذا لم يكتف الحرس الوطني بالحدود الدنيا من المسؤولية فيعفي نفسه من المساءلة أو اللوم لو أخفق؟. ولماذا تخطى الحرس الوطني حدود مهامه؟, بل وتعدى حدود إمكانياته حتى صار علامة إنسانية فارقة أَهَّلت المملكة إلى أن تتحلى بمسمى (مملكة الإنسانية)0
التاريخ الطويل والمبادرات الفريدة والإنجازات المحققة, تثبت أن الأمر يتجاوز كون هذه الإنجازات نتيجة قرار حكومي. بل إنها نتيجة فكر ورؤية وإصرار ومثابرة وإذا كان الفكر والرؤية ميزات عقلية يهبها الله من يشاء, فإن الإصرار والمثابرة هي الأخرى, نعم ينعم الله بها على كل ذي حظ عظيم.
الملك عبدالله -حفظه الله- بتاريخه الطويل وإنجازاته التي تحققت يعد مثالاً أو نموذجاً (Model) لولي الأمر التنموي. هذا المثال أو النموذج كيف نحافظ على إسـتمراره كفكر وسلوك؟. وكيف نخلق منه القدوة والقياس والمحفز لنا أفراداً ومسؤولين؟
الملك عبدالله -حفظه الله- رأى في الحرس الوطني وسيلة لتطبيق رؤيته وأفكاره، وإستفاد منها كذراع في تنفيذ ذلك. لكن فكره وسلوكه التنموي فاق إمكانيات وقدرات الحرس الوطني على اتساعها وتقدمها, فقام بالعديد من الأعمال التنمـويـة خــارج التنظيم الرسـمي. مثل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة والتي أتمت عامها العشرين. وتُعد اليوم واحدة من أهم وأنشط المؤسسات الثقافية في العالم العربي.
وقد إتسمت المرحلة الأولى من أعمال الملك عبدالله - حفظه الله - التنموية بالطابع المباشر, من تعليم ورعاية صحية وإنشاء مدن إسكانية وطبية تغطي الإحتياجات الأساسية للمواطن, ثم تلتها مرحلة تجاوز الإحتياجات الأساسية إلى البحث عن الموهوبين ورعايتهم، وأقام لذلك واحدة من أكبر مؤسسات المجتمع المدني, ثم تلتها مرحلة يعتبرها دارسو المجتمع السعودي أهم وأقوى خطوة حضارية إصلاحية مجتمعية تمت حتى الآن. فقد أقام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وبذلك أطلق العنان للرأي والفكر والعقل السعودي لكي يظهر ويرى ويبدع.
أما المرحلة الجديدة للملك عبدالله -حفظه الله - فقد اتسمت بالبناء والتنمية الشاملة المتعددة المواقع، المختلفة الاتجاهات، المتنوعة التأثير في هذه المرحلة حرص - يحفظه الله- على أن يصاحبها خطوة جمع الكلمة، ولم الشمل، ورص الصفوف. والتأكيد على أن وحدة الصف لا تعني وحدة الشكل. كما أن وحدة الهدف لا تعني وحدة الفكر. وقبل كل ذلك التأكيد على أن وحدة الغاية لا تعني وحدة الهموم والآمال والطموحات الفردية. وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين في القصيم حينما أعلن رفضه للتصنيفات التي تقسم المواطنين إلى فئات, تحفز على الفُرقة لا الوحدة الوطنية, كما حرص أن يصاحب هذه المرحلة أيضاً, مبدأ التوزيع العادل للثروات على مختلف مناطق المملكة, وهو ما أكده الملك عبدالله -حفظه الله- في حائل, حينما قال: "بإذن الله نحن مقبلون على مستقبل واعد. مستقبل من الخير والنماء يعم كل المناطق. ويدخل كل بيت, ويشمل كل مواطن. وما ذلك على الله ثم على عزائم الرجال ببعيد. لا شك في أن هذه الحقبة التي يعيشها
|
أن هذا الملك الساطع كشمس بلادنا الشامخ كقامات نخيلها كان دائماً حاضراَ بيننا وكان واعد وموعود بالخير
|
الفرد السعودي اليوم, هي العصر الذهبي بكل التوقعات والأمنيات والطموحات. والسؤال الآن: كيف نحافظ على ما لدينا؟ , وكيف نعمل على زيادته وتنميته من أجل مستقبل وطننا ومواطنينا؟.
إن هذا الملك الساطع كشمس بلادنا.الشامخ كقامات نخيلها, كان دائماً حاضراً بيننا. وكان واعداً وموعوداً بالخير, وكان ركناً أساسياً من أركان القيادة والتنمية والنهضة في كل وقت وفي كل موقع, بل كان دائماً نموذجاً لمنهج عظيم سارت عليه القيادة السعودية منذ المؤسس الأول جلالة الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ حتى الآن حيث يصدق فيه قول الشاعر:
نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونفعل فوق ما فعلوا
نحن اليوم نرى رؤية العين. ونلمس لمس اليد قفزات التقدم والتطور والبناء, التي بدأت وتحققت على يد الملك عبدالله-حفظه الله- وهو ولي للعهد وبعد عام واحد من تولّيه الملك ، والقادم من الأيام أكثر عطاء وإزدهاراً ـ بإذن الله .
|