إرتبط الحرس الوطني السعودي بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- وإرتبط جلالته به فقد كان العام الذي تولى فيه خادم الحرمين الشريفين-حفظه الله- رئاسة الحرس الوطني عاماً متميزاً في تاريخ هذا الجهاز, ونقطة بارزة في مسيرته.
وكانت الخطوة الأولى في بناء الحرس الوطني السعودي كانت إنشاء ديوان, للذين انتظموا في مسيرة المجاهدين مع الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- في توحيد المملكة وسمي" بديوان الجند, وتطور ديوان الجند إلى ديوان أهل الجهاد, ثم إلى الحرس الوطني السعودي, الذي أصبح منذ عام 1376 هـ, يتكون من عشرين لواء أو فوجاً إلى جانب التشكيل العسكري.
وكان الحرس الوطني على موعد مع قدره التاريخي وعصره الزاهر, عندما صدر الأمر الملكي في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز-طيب الله ثراه -تاريخ 10-9-1382هـ -1963م, بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز رئيساً للحرس الوطني. ومنذ ذلك الحين بدأ الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يحقق طموحاته البعيدة في إنشاء قوة عسكرية تسند القوات المسلحة السعودية في خدمة الوطن, والدفاع عن مقدساته, ولقد جاء هذا التعيين تطلعاً إلى فتح آفاق جديدة, نحو تطور الحرس الوطني ونهضته , ولرسم خطة متكاملة لمسؤولياته وأعماله ومنجزاته على المستويين العسكرى والحضارى.
كان عام 1382هـ, هو عام الإنطلاقة الحقيقية للحرس الوطني السعودي نحو التطور, وفق أسس علمية وقواعد مدروسة, إستهدفت تحديث الجهاز العسكري والجهاز المالي والإداري, وما يتبع ذلك من أجهزة أخرى مساعدة.
وقد صدرت الأوامر في نفس العام بتطوير فرع الحرس الوطني بالمنطقة الغربية, ليتحول إلى وكالة الحرس الوطني ثم إلى مسمى الحرس الوطني بالقطاع الغربي. وفي عام (1385هـ) صدر الأمر بتطوير فرع الدمام, ليتحول إلى الحرس الوطني بالقطاع الشرقي.
وكان من أهم الأولويات التي عني بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله - منذ أن تولى رئاسة الحرس الوطني, العمل على إعداد قوات نظامية حربية ذات كفاءة عالية, وتحقيقاً لهذا الغرض أُنشئت وكالة شؤون العمليات عام 1386هـ, التي أصبحت تسمى بعد ذلك بالجهاز العسكري, وأُسند إليه تأدية عدد من المهام القيادية والتخطيطية الهامة.
وعليه أصبح التدريب والتعليم العسكرى ضرورياً لتطوير القطاعات العسكرية, وتأهيل العسكريين ليكونوا على الجاهزية التي تمكنهم من تأدية ما يوكل إليهم من مهمات بكفاءة وإقتدار, وهذا ما أدركه القائمون على الحرس الوطني السعودي منذ وقت مبكر, حيث اتجه الحرس الوطني إلى إنشاء مدرسة التدريب لتخرج الفنيين والمتخصصين في الجوانب العسكرية المتنوعة, وافتُتحت أول مدرسة تابعة للحرس عام (1376هـ) في مدينة الرياض.
وبعد أن تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - افتُتحت المدارس العسكرية الفنية عام 1384هـ, بهدف توفير البرامج التعليمية الخاصة بتعليم الضباط وضباط الصف والجنود, وأيضاً لتطوير مناهج التدريب, وتوفير الإسناد للوحدات, وتنمية الروح العسكرية لدى الأفراد في الحرس الوطني.
وفي عام (1394هـ), أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- رئيس الحرس الوطني آنذاك توجيهاته بتطوير وتحديث المدارس الفنية, والتوسع في برامجها ومهماتها, وأصبحت تضم: قيادة المدارس, إدارة التدريب, كتيبة المدارس, مدرسة الأسلحة المشتركة, مدرسة خدمات إسناد القتال, مدرسة تحفيظ القرآن الكريم, مدرسة التربية الوطنية, مدرسة الموسيقى, معهد اللغة الإنجليزية, مديرية الإمداد والتموين.

وأسهمت هذه المدارس بإمداد قوات الحرس الوطني بما تحتاج إليه من الضباط والأفراد في مختلف التخصصات, وكان لها دور كبير في رفع كفاءتها ودرجة إستعدادها الفني والعسكري.

الإستفادة من الخبرة العالمية :
ظل تطوير الحرس الوطني هاجساً في مخيلة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-حتى يكون عند الجهاز قدرة على أداء مهماته بأحدث الأساليب والطرق. وأدرك خادم الحرمين الشريفين أن ذلك يحتاج إلى الاستفادة من الخبرات العالمية المتقدمة في هذا المجال.
ولتحقيق ذلك وَقَّع الملك عبدالله اتفاقية مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في 12 -3-1394هـ, لتطوير قوات الحرس الوطني من فرق المشاة التقليدية إلى فرق الأسلحة المشتركة التي تستخدم الآليات في تحركها, وتضم الأسلحة المختلفة وتتبع أحدث التكتيكات, وأحدث نظم الدفاع ضد الدبابات إضافة إلى تأهيل الضباط السعوديين وإعداد الفرد القادر على إستخدام الأسلحة الحديثة.
ومن بين الخبرات العالمية التي استفاد منها الحرس الوطني السعودي تطوير شبكة الإتصالات في الحرس الوطني وتحديثها. ومن أجل هذا التطور عقد الحرس الوطني اتفاقية مع الحكومة البريطانية في 22-6-1398هـ, لتطوير شبكة الاتصالات لديه وفق أحدث النظم العالمية بحيث تهيئ هذه الشبكات العمل عبر الأقمار الصناعية, وبحيث يتم تدريب فنيين سعوديين على صيانة الشبكة وتشغيلها0
وتعد مناورات الربيع التي يُجريها الحرس الوطني هي المحك العملي لقدرات وحداته كلها, وقد أثبتت هذه التمارين والمناورات كفاءة جندي الحرس الوطني وقدراته القتالية, وقد أثبتت القوات المشاركة في هذه المناورات والتمارين, إنها تستطيع أن تتعامل بكفاءة مع الظروف التعبوية المختلفة.
وعلى الرغم من تطور الحرس الوطني في وحداته وأجهزته وأسلحته, وقدرته على تكوين القوة الضاربة الفعالة, التي تمثلها وحدات الأسلحة المشتركة الحديثة, والوحدات المساندة لها, ظل الحرس الوطني مبقياً على ألوية المجاهدين بزيها وتسليحها ومهامها الخاصة بها وفاء للأجداد والآباء, والإبقاء على رمز جيل المجاهدين الذي وَحَّد المملكة.

الحرس الوطني في خدمة المجتمع:
أن المهمة الأساسية للحرس الوطني هي الدفاع عن حياض الوطن ومقدساته, مشاركة مع القوات المسلحة الأخرى, لكن هناك مهام وواجبات كثيرة أخرى رسمها للحرس الوطني ووجه بها قائد مسيرته التطويرية الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله-, فرجال الحرس الوطني يشتركون مع الجهات الأمنية في حماية المنشآت الحيوية والإستراتيجية التي يكلف بها الحرس الوطني. كما تضطلع الشرطة العسكرية بالحرس الوطني بمهام ومسؤوليات أمنية متعددة, حيث تقوم بتوفير الأمن والحماية وتسيير الدوريات وتطبيق النظام العسكري, وتحقيق الأمن الشامل لجميع معسكرات ومنشآت ومدن إسكان الحرس الوطني. كما إنها تقوم بمهام حراسة ومرافقة ضيوف الحرس الوطني والمشاركة في الفعاليات الرسمية مثل المهرجان الوطني للتراث والثقافة, وسباقات الخيل, واحتفالات التخرج, بالإضافة إلى ما تتطلبه طبيعة عملها من التنسيق مع القطاعات الأمنية الأخرى داخل المجتمع عبر إركانات القيادة, وقسم التحقيق والحوادث والسجن. كما يعمل الحرس الوطني على حماية أفراد المجتمع السعودي من أخطار المخدرات, من خلال إدارة عامة خصصها لذلك تتولى التنسيق مع الجهات المعنية الأخرى.

كان من أهم الأولويات التي عني بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز العمل على إعداد قوات نظامية حربية ذات كفاءة عالية .

ومن أَجلِّ المهام التي يضطلع بها الحرس الوطني كل عام خدمة ضيوف الرحمن خلال مواسم الحج. وتقديم العون والمساعدة والمشاركة في التوعية الدينية والرعاية الصحية لضيوف الرحمن. ويقيم الحرس الوطني سنوياً معسكراً خاصاً بمشاعر مِنى وعرفات تقدم من خلاله الخدمات المختلفة, ويستقبل ضيوف الحرس الوطني من الحجاج والمعتمرين. ويحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- على زيارة هذا المعسكر والإلتقاء بضيوف الرحمن والوقوف على الخدمات التي تقدم لهم.
ومن أجهزة الحرس الوطني التي تنسجم مع طبيعته وتؤكد خصوصية المجتمع السعودي, جهاز الإرشاد والتوجيه الذي كان يُعرف في السابق بإدارة الشؤون الدينية, ويتولى جهاز الإرشاد نشر الوعي الديني بين منسوبي الحرس الوطني, وبناء الجانب العقائدى في نفوسهم. كما يشارك الجهاز في تنظيم برامج توعوية في مساجد إسكان الحرس الوطني. ويتولى تقديم المشورة الشرعية بالإضافة إلى تنظيم مسابقة خادم الحرمين الشريفين للقرآن الكريم للعسكريين كل عام.

الحرس الوطني مؤسسة حضارية:
وقد عمل الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله - منذ أن تولى رئاسة الحرس الوطني على إستثمار مزايا رجال الحرس الوطني من الأصالة العربية والعقيدة الراسخة, وحب الصحراء والفروسية والمراس على القتال الصعب. فرجال الحرس الوطني هم ورثة خصال أهل الجهاد والمجاهدين, الذين صنعوا ملحمة التأسيس, وحققوا مع الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- الوحدة وتأسيس المملكة العربية السعودية.
تنبني إستراتيجية الملك عبد الله بن عبدالعزيز -حفظه الله -لبناء الحرس الوطني على ملامح واضحة أساسها صناعة الإنسان أولاً قبل إمتلاك السلاح. فالإنسان هدف التنمية وأداتها في الوقت ذاته. ولهذا كانت خطة رئيس الحرس الوطني, هو إعادة بناء الحرس الوطني بحيث يحقق أهدافه العسكرية ضمن إطار مهمة حضارية, تقوم على العقيدة الإسلامية والقيم العربية الأصيلة. لقد آمن الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله - بأن التقدم المادي وبناء القوة العسكرية, لا يمكن أن يتم بأي حال من الأحوال دون البناء الروحي والثقافي والإيماني, لرجل الحرس الوطني ولكل رجال القوات المسلحة السعودية.
وقد لخص الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله - رسالة الحرس الوطني وتطوره في كلمات بليغة موجزة بقوله :
كان الحرس الوطني السعودي أول جهاز عسكري أنشأه الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه-من أبناء هذا الوطن السعودي الكبير عند توحيده لأجزاء الجزيرة العربية ليشارك في مسيرة كفاحه - رحمه الله - وفي توحيد المملكة, وتوطيد أركانها وإشاعة الطمأنينة والاستقرار في ربوعها, على مبادئ التوحيد والشعور العميق بالوطنية والولاء والإخلاص للأمة. وقد تطور الحرس الوطني منذ ذلك الحين متسلحاً بالمعرفة والعلم والثقافة والخبرات الفنية والإدارية والعسكرية, وتطورت رسالته لتشمل مهامه: كالوقوف إلى جانب أشقائه في قطاعات القوات المسلحة السعودية في الذود عن الوطن, وحماية أبنائه ومقدراته, وخدمة القطاعات التنموية للدولة والعمل في مجالات الإغاثة والمساعدات الإنسانية, وتدريب وتأهيل الكفاءات الوطنية في المجالات الفنية إلى جانب العسكرية, والإسهام في مجالات التوعية الثقافية باعتبارها رمزاً لتاريخ أمة بكل ما فيها من أمجاد وعزة وتصميم."

التعليم وتطوره في الحرس الوطني:
وفي ظل اهتمام الحرس الوطني بتطوير مستوى منتسبيه, عُني بالجانب التعليمي الذي يستمد مبادئه وثوابته من الإسلام الذي تدين به المملكة عقيدة وعملاً وسلوكاً وتوجهاً. وأولى الحرس الوطني هذا الجانب عنايته وواكب تطور الجانب الحضاري والثقافي, وتطوير الجوانب العسكرية والإدارية والفنية, فتم إستحداث وكالات وإدارات لتولي إدارة شؤون تلك الجوانب.
ففي هذا الجانب تدرج التعليم في الحرس الوطني في البدء بفتح صفوف لمحو الأمية وتعليم الكبار, لمن فاتتهم فرصة التعليم في مرحلة الطفولة والشباب من مُنتسبيه. ثم في عام 1393 هـ, تم افتتاح مدينة العلم وكانت مدرسة الثقافة إحدى مدارسها الرئيسية التي خرجت أفواجاً من كلية المدارس النهارية والمسائية.

وبعد أن بدأت أعداد راغبي مواصلة التعليم تتزايد, مع تزايد أعداد أبناء المُنتسبين وبناتهم وحاجتهم للتعليم بعد اتساع الحرس الوطني وتطور مرافقه, كان لا بد أن يتم تطوير القطاع التعليمي في الحرس الوطني ليتواكب مع تلك النقلة التي شهدتها مختلف القطاعات في الحرس, فتم في 1-7-1395هـ استحداث إدارة الثقافة التي أصبح اسمها لاحقاً الإدارة العامة للثقافة والتعليم. وشمل التعليم في الحرس الوطني مختلف المناطق والمراحل بنين وبنات, روضة وتمهيدي وابتدائي ومتوسط وثانوي, وتعليم كبار, ومدارس لتحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات.
وقد رؤي فيما بعد إلحاق التعليم فىالحرس الوطني بالوزارة المتخصصة وهي وزارة التربية والتعليم بالمملكة.
ومن الناحية الإحصائية يمكن القول إن الحرس الوطني قد قام بإنجاز فريد في هذا المجال, حيث بلغ إجمالي ما قام بتشييده من المدارس في مشاريع خشم العان والأحساء والدمام والطائف وجدة وديراب ما مجموعه (87) مدرسة ما بين حضانات وابتدائي ومتوسطة وثانوية.