الملك عبدالله بن عبد العزيز
والسياسة العالمية
ربان قدير و قائد عالمي |
وعلى صعيد السياسة الخارجية برزت جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله-, منذ أن كان ولياً للعهد في اتخاذ المواقف الإيجابية التي ترعي مصالح بلاده وأمته العربية والإسلامية, وتستهدف دعم السلام العالمي وبناء علاقات قوية مع الدول الصديقة. وقاد الملك عبدالله-حفظه الله- الدبلوماسية السعودية باقتدار مشهود في أصعب الأوقات, وتعقد العلاقات الدولية, ووقوع الأحداث العالمية التي كانت لها تداعياتها الخطيرة على العالم العربي, والإسلامي بوجه خاص.
ومعلوم أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- باشر ملف السياسة الخارجية, بحلول عام 1997, أثناء ولايته للعهد.واستطاع خلال مسيرة العشر سنوات إحداث تأثير ملموس على وضع السياسة الخارجية. فالسياسة الخارجية للملك عبدالله-حفظه الله- ليست محصورة فقط بعد فترة توليه مقاليد الحكم, بل هي حصيلة جهود تبناها في هذا الملف.
وقد نجح الملك عبدالله-حفظه الله- في الالتزام بمبادئ وثوابت السياسة السعودية من الإيمان بمبادئ الشرعية الدولية والعمل من خلال الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية, وأيضاً اضطلاع المملكة بدورها القيادي المعروف في العالمين العربي والإسلامي, وتمسكها بالحقوق العربية والإسلامية, وانتهاجها سياسة نفطية تراعي مصالح الدول المنتجة والمصدرة رغبة في استقرار سوق الطاقة العالمية. وبالإضافة إلى ذلك فقد وجد المراقبون أن السياسة الخارجية بقيادة الملك عبدالله-حفظه الله- تتجه نحو التركيز على القضايا الإقليمية, مع عدم تخلي المملكة عن موقفها الدولي, بمعنى أن هذه السياسة أعادت ترتيب الأولويات, وبدا أن السياسة الخارجية السعودية تركز على عملها من خلال ثلاثة محاور أو مسارات وهي: الحرب على الإرهاب, واستراتيجية الطاقة السعودية المستقبلية, والرحلة نحو الشرق لبناء صداقات جديدة وسبل تعاون مع دول صاعدة اقتصادياً ودولياً.
الملك عبدالله -حفظه الله-رجل أمة:
لقد لقيت قضايا الأمتين العربية والسعودية وتطوراتها النصيب الأكبر من اهتمام خادم الحرمين ا لشريفين -حفظه الله-في كل الاتجاهات. فعلى الصعيد الخليجي يعطي الملك عبدالله أهمية خاصة لدول الخليج العربي بحكم موقعها الاستراتيجي, وارتباطها الجغرافي بالمملكة, وأهميتها الاقتصادية والسياسية والأمنية, وبحكم المصير الواحد لدول المنطقة. وحرصت المملكة بقيادة الملك عبدالله -حفظه الله-على الاضطلاع بدور فعال في إطار مجلس التعاون لدول الخليج, العربية وفي إطار التعاون الثنائي وذلك بهدف تعزيز التعاون وتنسيق الجهود لحفظ الأمن والاستقرار, وخدمة مصالح جميع الدول الأعضاء. كما تعمل المملكة في كل وقت على دعم التضامن الإسلامي ووحدة الصف العربي, وتعميق الروابط الأخوية القائمة بين الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية والإسلامية.
وأسهمت جهود الملك عبدالله -حفظه الله-, في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله, ومد يد العون للأشقاء العرب والمسلمين ودعم قضاياهم. ومن أجل هذا تجيء زيارات الملك عبدالله المتكررة للدول العربية والإسلامية وحرصة على حضور المؤتمرات, وتمثيل بلاده في القمم الخليجية والعربية والإسلامية. وقد انعكست نتائج هذه الزيارات الإيجابية على مسيرة التضامن العربي والإسلامي. والذي يتابع حركة الملك عبدالله وسياسات المملكة منذ عام 2005 م, يلاحظ منهج الملك السياسي, ودعوته إلى الانفتاح والاستفادة من تجارب الآخرين, ومكافحة صراعات الحضارات وإبراز الرؤى المشتركة للعرب والإسلام.
لقد زار الملك عبدالله-حفظه الله- الولايات المتحدة مرتين, وزار الدول الأوروبية ومنها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا, وزار الصين والهند وباكستان وإندونيسيا وماليزيا وتركيا, فضلاً عن زياراته لكثير من الدول العربية.
وفي كل تلك الزيارات لم تكن العلاقات الثنائية هي الوحيدة الحاضرة, بل مصالح الأمتين العربية والإسلامية وقضاياها المصيرية. وفي مقدمة تلك القضايا القضية الفلسطينية حيث استمر الملك عبدالله-حفظه الله- على نهج والده الملك عبدالعزيز-يرحم الله- في دعم القضية سياسياً ومادياً ومعنوياً بالسعي الجاد والمتواصل؛ لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في عودة اللاجئين, وإقامة دولته المستقلة على تراب الوطن, وتبنى قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل. وفي هذا الإطار أطلق خادم الحرمين الشريفين-حفظه الله- في مؤتمر بيروت عام 2002م مبادرته للتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية فيما عرف بمبادرة الأمير
عبدالله بن عبدالعزيز, والتي تحولت إلى مبادرة عربية لحل القضية. وقد لاقت هذه المبادرة قبولاً عربياً وعالمياً, وتبنتها القمة وجعلت منها مبادرة عربية, ودعمتها من أجل إحقاق الحق وإعادة الأرض لأصحابها. وما تلك المبادرة إلا غيض من فيض في جهود الملك عبدالله لحل القضية. وفي يوم مشهود دعا الملك عبدالله-حفظه الله- الفصائل الفلسطينية إلى اجتماع يعقد بجوار الحرم المكي, لحل الخلافات الفلسطينية الفلسطينية بعد أن وصلت هذه الخلافات إلى إراقة الدم الفلسطيني بأيدي فلسطينيين.
ويظل الملك عبدالله-حفظه الله-رجل أمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان, فالأمة العربية والإسلامية حاضرة دائماً في صلب اهتماماته, وهو يحمل تطلعاتها وهمومها على الدوام في حله وترحاله, ولم يتخلف الملك عبدالله عن حضور المؤتمرات العربية والإسلامية التي تناقش الشأن العربي والإسلامي. بل إن لقاءات الملك الثنائية هي دائماً من أجل قضايا الأمة, قبل أن تكون لتحقيق مصالح المملكة.
ومؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الذي عقد في مكة المكرمة, يعطينا دلالة واضحة على الرغبة الصادقة النابعة من عمق الإحساس بالمسؤولية, من الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- نحو أمته ليؤكد الموقف الثابت والأساسي لسياسة المملكة منذ تأسيسها. لقد أعلن الملك عبدالله في كلمته في ذلك المؤتمر أنه يتطلع إلى أمة إسلامية موحدة, وأنه على ثقة كاملة في قدرة الأمة على تحقيق أهدافها مؤكداً على أن انعقاد قمة مكة دليل رغبة ملحة في أعماق الأمة نحو التغيير إلى الأفضل. ودعا الملك عبدالله إلى توديع عهد الفرقة والشتات والضعف, واستبداله بعهد جديد من الوحدة والقوة والعزة.
وحدد خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الحل في ثلاثة أمور: الإحسان والإصلاح في إدارة الشأن العام بما يؤدي إلى خدمة ديننا وأوطاننا، والالتفاف والتوحد حول قضايانا الكبرى وفي مقدمتها قضية فلسطين، والتعامل مع العالم بانفتاح لكن بندية ومسؤولية.
وبنفس العزيمة والحرص والإخلاص تعامل الملك عبدالله مع الملف اللبناني منذ أن كان ولياً للعهد ومنذ اتفاق الطائف, الذي وضع حداً للحرب الأهلية الطاحنة التي استمرت قرابة أربعة عشر عاماً، وفي العصر الحديث خلال أزمة مقتل الرئيس الحريري, وخلال حرب يوليو وأغسطس, التي تعرضت لها لبنان على يد إسرائيل, لم تنقطع حركة الملك عبدالله واتصالاته لوقف الحرب على لبنان, ولمساعدة المهجرين والمصابين ولإعادة الأعمار وجمع شمل اللبنانيين.
المملكة والملف العراقي وقضية لوكربي:
وكما كان ولا يزال للمملكة دور في الصراع العربي الإسرائيلي, و دور في الملف اللبناني فهي لها دورها في العراق واستقراره. ودور الملكة في العراق يختلف عن كل الأدوار المطروحة, فهناك حديث عن ديموقراطية العراق وفق نظام فيدرالي ينظم العلاقة بين السنة والشيعة والأكراد. وهذا تصور أمريكي إيراني عراقي, وهو تصور طائفي للوضع في العراق, وفي المقابل طرحت المملكة عروبة العراق أي العروبة كمظلة أكبر تدخل تحتها الشيعة والسنة, وبذلك يخرج التصور السعودي العراقي من براثن الطائفية الضيقة, إلى رحابة أفق العروبة. وهكذا تتضح قدرة المملكة بقيادة الملك عبدالله-حفظه الله- على طرح مفاهيم بديلة وحاكمة تسهم في استقرار العراق وحريته.
وبنفس الحرص والقوة تعاملت دبلوماسية المملكة مع قضية لوكربي وقام الملك عبدالله-حفظه الله- في ذلك الوقت منذ أن كان ولياً للعهد بجهود جبارة لمساعدة الأشقاء في ليبيا لوضع حد لحالة الجمود, وإنهاء المقاطعة على الشعب الليبي وتكريس مفاهيم العدالة, وظل الملك عبدالله-حفظه الله- يشرف ويتابع ويجري الاتصالات المتتابعة مع الأطراف المعنية, حتى تم حل هذه القضية الشائكة التي ظلت معلقة قرابة العشر سنوات, وبذلك تمكنت الدبلوماسية السعودية التي أدارها الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد بالتعاون مع أطراف دولية, أن تحول المستعصي في قضية لوكربي إلى ممكن, ثم إلى حل نهائي يحق الحق, ويرفع الحصار الظالم عن الشعب الليبي, ويعيد ليبيا إلى موقعها بين الأسرة العربية والأفريقية والدولية.
الملك عبدالله والشأن الدولي:
لقد استطاع الملك عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- بحنكته ومهارته في القيادة تعزيز دور المملكة في الشأن العالمي على كافة الأصعدة, ومنها الصعيد السياسي. وصار للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وتأثير قوي في صناعة القرار العالمي والتأثير على مجريات الأحداث. وإذا كانت المملكة لديها رصيد من السمعة الطيبة لدى دول العالم, والدول الكبرى بشكل خاص, فإن هذا الرصيد تضاعف بمجيء الملك عبدالله إلى سدة الحكم حتى أصبحت صفة الرجل الواضح أو الرجل الصادق تلازم اسم الملك عبدالله. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, أصاب العلاقات السعودية الأمريكية شرخ كبير, لكن قدرة الملك عبدالله المؤمن بربه وصاحب الثقة الحضارية على تصحيح الأوضاع, وترميم تلك العلاقة الاستراتيجية في عالم اليوم المتقلب لهو أقرب إلى المعجزة منها إلى العمل السياسي. واستطاعت المملكة في ظل قيادة مليكها السياسي المحنك بثقلها السياسي والمالي, أن تكون لاعباً أساسياً في الساحتين الإقليمية والدولية, وأن يكون لها حضورها في الملفات الساخنة في مناطق العالم.
وهذا لم يأت فقط, من كون المملكة دولة لها إرادتها السياسية فقط وإنما لديها الأدوات الروحية والمالية والدبلوماسية لحل الأزمات. وبجهود جبارة تمكن السعوديون بقيادة مليكهم الانتقال من خانة الدفاع والاتهام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, إلى صف أبرز الدول المكافحة للإرهاب. وجاء اقتراح الملك عبدالله-حفظه الله-بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب كأحد أهم المبادرات التي طرحت في مجال التصدي للإرهاب الدولي.
سياسة الاتجاه إلى الشرق:
الملك عبدالله في السنوات العشر الأخيرة كان حريصاً على بناء علاقات قوية مع كل الدول الصديقة في أوروبا وأمريكا. ومن هنا تكررت زياراته إلى الولايات المتحدة وإلى عدد كبير من دول أوروبا عندما كان ولياً للعهد, وبعد أن بويع ملكاً على البلاد, وكانت المملكة بقيادة الملك عبدالله-حفظه الله- حريصة أيضاً في علاقاتها بدول العالم على الاتزان في سياستها الخارجية. ومن هنا جاءت زيارات الملك عبدالله إلى عدد من الدول الآسيوية شملت الصين والهند وماليزيا وسنغافورة والباكستان. وكانت هذه الجولة من أبرز المحطات في الدبلوماسية السعودية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين.
فالملك عبدالله-حفظه الله- منذ توليه الإشراف على الشؤون الخارجية أثبت أن لديه سياسة بعيدة النظر, ومن ذلك أن توثيق العلاقات مع دول أخرى عظمى من شأنه أن يعزز الدور السعودي دولياً وإقليمياً, دون التقليل من علاقات السعودية بدول
|