نقلا عن
نادى المال والاعمال - الشريعه دين ودنيا
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن الزكاة عبادة مالية، وهي في الواقع مرتكز المالية العامة في الإسلام، وأهم وسائل القضاء على الفقر، ولذا تعد الآثار التوزيعية للزكاة هي أهم الآثار الاقتصادية للزكاة؛ وتتمثل الآثار التوزيعية للزكاة في إشباع حاجة المحتاجين والمساهمة في تحقيق حد أدنى من المعيشة لكل فرد في المجتمع، وتخفيف التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس.
وللزكاة دور واضح في تحقيق هذه الآثار التوزيعية؛ لأنها تعد تحويلاً لبعض الدخل والثروة من الأغنياء إلى الفقراء، ولأن من مقاصدها الكبرى إشباع حاجة المحتاجين، وتحقيق كفايتهم، فالزكاة تؤخذ من الأغنياء وتزيد بزيادة غنى الشخص وتنفق حصيلتها على الفقراء في المجتمع حسب شدة حاجتهم وفقرهم.
ويترتب على الآثار التوزيعية للزكاة عددا من الآثار الأخرى على الاستهلاك والحافز على الاستثمار والعمل وتخصيص الموارد الاقتصادية في المجتمع.
ففي جانب الاستهلاك: يترتب على تحصيل الزكاة وإنفاقها زيادة الاستهلاك؛ لأن دافعي الزكاة هم من الأغنياء الذين يستهلكون نسب صغيرة من دخولهم، في حين أن مستحقي الزكاة أغلبهم من الفقراء الذين ينفقون الجزء الأكبر من الزكاة التي يستلمونها على حاجاتهم الاستهلاكية الأساسية.
وقد ينظر لهذا الأثر على أنه سلبية اقتصادية؛ لأنه يؤدي إلى زيادة الاستهلاك، ونقص الادخار في الاقتصاد. ولكن تأثير الزكاة في الاستهلاك ليس تأثيراً كمياً فقط بل تأثير نوعي. وهو تأثير مؤكد؛ فالزكاة تؤدي الى تغير نوعي في الاستهلاك بزيادة الاستهلاك الكفائي الضروري لتوليد قوة العمل لدى مستحق الزكاة، فعدم إشباع مستحق الزكاة لحاجاته الأساسية يؤدي إلى انخفاض قدرته على العمل والإنتاج، ومن ثم انخفاض دخله، وتبعاً لذلك الادخار مصدر تكوين رأس المال، العنصر المهم في النمو الاقتصادي.
وفيما يتعلق بالاستثمار: تؤدي الزكاة إلى تآكل الأرصدة النقدية غير المستثمرة بمرور الزمن بنسبة 2.5٪ سنوياً، فإذا لم يقم المكلف باستثمار هذه الأرصدة، فإنها تستمر بالتناقص حتى تبلغ حداً أدنى هو النصاب؛ وبالتالي فالزكاة تحفز المكلف على استثمار أرصدته النقدية للحفاظ عليها من التناقص مع مرور الزمن.
كما للزكاة دور مهم في تحفيز الفقراء المحترفين للعمل، بسبب سياسة إنفاق حصيلة الزكاة عليهم، والتي تختلف بحسب نوع الفقير. فالفقير القادر على العمل، ولكن لا يرغب في العمل مع توافر فرص العمل اللائقة به، لا يستحق الزكاة. وهذا يعني بلغة اقتصادية ربط إنفاق الزكاة على الفقير القادر بمدى اجتهاده في العمل. فالفقير المتعطل اختياراً لا يستحق شيئاً من حصيلة الزكاة حتى يعمل، وعندما يعمل لا يحق له أن يأخذ تمام كفايته من الزكاة حتى يحقق الدخل الممكن له في ضوء قدراته المتاحة؛ وهذا يشكل بلا شك حافز قوي للفقير للعمل؛ لأن الفقير الذي لا يستثمر قدراته في العمل بغية العيش عالة على حصيلة الزكاة، سيتم استبعاده من المستحقين لحصيلة الزكاة.
ومن هذا يتضح أن للزكاة دور واضح في تحقيق العدالة الاجتماعية مع عدم الإخلال بدورها كمحفز للكفاءة الاقتصادية.