نقلا عن
نادى المال والاعمال - القاهرة - الشريعه دين ودنيا: يختص هذا المبحث بدراسة وتحليل الضوابط الشرعية التي تحكم المشاركات المتناقصة من حيث مفهومها، والتكييف الشرعي لها، وشروط صحتها.
مفهوم المشاركات المتناقصة
وردت عدة تعريفات ذات دلالة واحدة لماهية المشاركات المتناقصة (1). ويرى الباحث أن المشاركات المتناقصة هي شركة يُقدم فيها الطرفان المال والعمل مع اتفاقهما على أن يحل أحدهما تدريجيا محل الآخر في الملكية عن طريق الشراء التدريجي لحصة الطرف الآخر.
ولذا فإن هذه المشاركات متناقصة من وجهة نظر الشريك الذي يتخارج، حيث تتناقص ملكيته تدريجيا ببيع جزء من حصته في المشروع للشريك الآخر، ومنتهية بالتمليك من وجهة نظر الشريك الآخر، حيث تؤول ملكية المشروع له تدريجيا بشرائه لحصة الشريك المتخارج .
و قد يبدو من المناسب هنا الإشارة إلى أن المفهوم اللغوي الصحيح لمصطلح التناقص يقتضي التدرج في التخارج والبيع، فالتناقص في اللغة يفيد النقص شيئاً فشيئاً، (2)ومن ثم فإن ما يراه البعض(3) من قيام أحد الطرفين بشراء حصة الطرف الآخر دفعة واحدة لا يتمشى مع المدلول اللغوي للمصطلح، فضلاً عن أنه لا ينسجم مع طبيعة المشاركات المتناقصة والتي تقوم على رغبة أحد الطرفين في الشراء تدريجيا وقبول الطرف الآخر لذلك . لذا فإن الباحث سوف يسير في بحثه على الشراء والبيع " التدريجي" وليس " دفعة واحدة ".
وفى ضوء المفهوم السابق للمشاركة المتناقصة، يمكن القول بأنها تتفق مع المشاركة الثابتة ( بنوعيها المؤقتة والمستمرة ) في أن لكل شريك فيهما كافة حقوق والتزامات الشريك الآخر، في حين تختلف عنها في أن الأصل أن حصص الشركاء في المشاركة الثابتة لا تتغير طوال فترة المشاركة والتي قد تنتهي بانتهاء صفقة أو عملية معينة ( مشاركات ثابتة مؤقتة ) أو بانتهاء الشركة ( مشاركات ثابتة مستمرة )، فكل شريك من الشركاء في المشاركة الثابتة بنوعيها يعتزم البقاء مشاركاً طالما أن المشروع يعمل والعقد ساري، في حين تقوم المشاركة المتناقصة منذ البداية على تناقص حصة أحد الشريكين تدريجياً مقابل زيادة حصة الآخر.
والمشاركة المتناقصة بهذا المعنى تختلف عن المضاربة في أن المضاربة يكون العمل فيها من طرف واحد ( المضارب ) دون تدخل من الطرف الآخر (رب المال) ، أما في المشاركة المتناقصة فيجوز لكل من الطرفين ممارسة العمل في مال الشركة حتى وإن اقتصر العمل فعلا على أحدهما. كما أنه في جميع الأحوال يكون المال في المشاركة المتناقصة من الطرفين بينما يكون المال في المضاربة (في الغالب) من طرف واحد، وإن جاز طبقا لاشتراطات معينة أن يخلط المضارب مال المضاربة بماله الخاص و يستثمرهما معا .
يتضح مما سبق أنه لا توجد وسيلة استثمار تقليدية معاصرة مشابهة تماما للمشاركات المتناقصة، الأمر الذي يدعو إلى دراسة كافة جوانبها ومشكلاتها، ولاسيما ما يتعلق منها بالقياس المحاسبي، بغرض تقديم المعالجات المناسبة لها، ومن ثم الاستفادة منها.
التكييف الشرعي للمشاركات المتناقصة:
تستمد المشاركات المتناقصة مشروعيتها من مشروعية شركة العنان (4)، باعتبار أن شركة العنان يُقدم فيها الطرفان المال و العمل و إن لم يعمل أحدهما أو كلاهما بالفعل. وهذا هو الحال مع المشاركة المتناقصة. ولذا فإن المشاركة المتناقصة جائزة شرعا إذ لا يوجد فيها ما يخالف نصاً شرعياً ولا يناقض قاعدة كلية (5). وهذا ما أقرته توصيات وقرارات مؤتمرات المصارف الإسلامية (6)، وكذا الفتاوى الصادرة في هذا الشأن (7).
والحكمة من مشروعية المشاركات المتناقصة أن فيها تحقيقاً لمصالح العباد، حيث يمكن من خلالها تحقيق طموحات الشريك طالب التمويل في إنشاء المشروع أو التوسع فيه بدون إدخال شركاء دائمين أو زيادة رأس المال دفعة واحدة، كما تحقق رغبة الشريك المتخارج أيضا في الحصول على عائد مناسب مشروع و عدم الدخول في مشاركة دائمة قد لا تناسبه .
شروط صحة المشاركات المتناقصة
تعتبر المشاركات المتناقصة إحدى صيغ استثمار الأموال المستحدثة، حيث لم يتناولها الفقهاء القدامى ولا سيما فيما يتعلق بالتخارج التدريجي. وفى ضوء ما ورد في كتب فقه المعاملات من شروط لصحة المشاركات بصفة عامة، يمكن للباحث استخلاص شروط صحة المشاركات المتناقصة ذات العلاقة بالجوانب المحاسبية على النحو التالي:
(أ) الشروط المتعلقة برأس المال
يحكم رأس المال في المشاركات المتناقصة مجموعة من الضوابط المستنبطة من الفقه الإسلامي، أهمها ما يلي:
(1) أن يكون رأس مال المشاركة معلوما من حيث القدر لكل شريك (8)، وذلك أن تحديد الربح والخسارة و معرفة نصيب الشريك من موجودات الشركة عند التخارج يعتمد على معلومية قدر رأس المال .
وعلى ذلك: لا يجوز شرعا أن يذكر في عقد المشاركة المتناقصة أن رأس مال أحد الطرفين أو كلاهما هو المبلغ اللازم لتحقيق الهدف المطلوب (كتشييد الفندق، أو بناء المدينة السكنية أو استصلاح الأرض، أو شراء الآلات وتركيبها)، أو أن مساهمة أحد الطرفين تكون في " حدود " مبلغ معين أو أن الشريك يسهم برأس المال العامل لمدة معينة، وإنما لا بد من تحديد مبلغ رأس مال .
(2) أن يكون رأس مال المشاركة في شكل حصص نقدية (9)، وإن كان بعض الفقهاء (10) قد أجاز أن يكون رأس المال في شكل أصول ثابتة مادية، كما أجاز البعض الآخر(11) المشاركة بالأصول المعنوية باعتبارها مالاً متقوماً، ويباح الانتفاع به شرعاً (12).
ويلزم في هذه الحالة تقويم العروض والأصول المعنوية ونقل ملكيتها إلى الشركة وقت ابرام العقد لأن معرفة نصيب كل شريك من الربح يتوقف على معرفة قيمة حصته.
(3) ألا يكون رأس المال ديناً على الطرف الآخر أو غيره (13)، لعدم حضور رأس المال واحتمال حدوث منازعات عند تحصيل الدين، كما قد يكون ذلك حيلة للتعامل الربوى ولا سيما إذا كان الدين على الطرف الآخر.
ولم يناقش الفقهاء مدى جواز أن يقدم أحد الطرفين أو كلاهما حصته في صورة أصول ( تتضمن ديوناً لدى الغير ) والتزامات منشأة قائمة، ويؤيد الباحث رأى بعض الفقهاء الذين يرون جواز ذلك نظراً لعدم تأثيره على حضور رأس المال باعتبار أن هذه الديون عادة ما تكون نسبتها بسيطة بالمقارنة بمجموع الأصول، وغالباً ما تكون موثقة بضمانات، وبعيدة عن النزاع، ونتيجة لمعاملات وعلاقات تجارية قائمة ومستمرة، يُضاف إلى ذلك إنتفاء شبهة الربا حيث تكون هذه الديون على الغير لا على أحد الشركاء (14).
ويتضح مما سبق عدم جواز أن يكون رأس المال فى المشاركات المتناقصة ديناً على الطرف الآخر أو غيره، ولكن يجوز أن يكون الدين جزءاً من أصول والتزامات منشأة مقدمة كحصة فى رأس المال.
(4) حضور رأس المال، لأن عدم حضور رأس المال أو جزء كبير منه لا يُمكّن المنشأة من القيام بعملها. ولكن هل يلزم حضور رأس المال عند التعاقد أم عند الحاجة إليه؟. لم يشترط بعض الفقهاء حضور رأس المال وقت ابرام العقد دائماً وإنما اشترطوا توافره وقت الشراء (15)، أي وقت الحاجة إليه, وطبقاً لهذا الرأي، وهو ما يميل اليه الباحث لعدم تعطيل رأس المال بتسليمه على الرغم من عدم الحاجة الفورية إليه, بل وتعريضه للمخاطر, يُمكن أن يتم دفع رأس مال المشاركة المتناقصة على دفعات أومراحل حسب حاجة المشاركة كما هو الحال فى المشاركة فى بناء عقارات أو استصلاح أراضى أو تقديم أحد الطرفين لاعتماد مستندى قابل للتجزئة.
(ب) الشروط المتعلقة بالربح
يجب أن يتم توزيع الربح في المشاركات المتناقصة في ضوء مجموعة من الضوابط المستنبطة من الفقه الإسلامي وأهمها ما يلي:
(1) أن تكون طريقة توزيع الربح معلومة لكل شريك (16)، أي ضرورة علم جميع الشركاء بطريقة توزيع الربح، وعدم تعديل هذه الطريقة إلا بموافقتهم، وذلك أن القصد من المشاركة المتناقصة هو الحصول على الربح، ومن ثم فإن جهالته توجب فساد عقد الشركة (17).
(2) أن يكون الربح جزءاً شائعاً في الجملة (18)، أي عدم تحديد مبلغ معين أو نسبة معينة من الربح لأحد الشركاء لاحتمال ألا تربح المشاركة المتناقصة إلا ذلك المبلغ فينفرد به أحدهما دون الآخر واحتمال ألا تربحها فيأخذ من رأس المال(19).
ويختلف ذلك عن تحديد مبلغ لأحد الشركاء إذا زاد الربح عن حد معين، مع توزيع الباقي بالتساوي بين الشركاء باعتبار أن هذا الشرط لا يؤدى إلى قطع الشركة في الربح .
(3) وجوب اشتراك جميع الشركاء في الربح(20)، ويقصد بذلك عدم جواز انفراد أحد الشركاء بالربح دون الآخر، باعتبار أن ذلك ينافى مقتضى العقد.
(4) أن يكون الربح على ما اتفق عليه الشركاء(21)، سواء قلت هذه النسبة أم كثرت، ومن ثم يجوز الاتفاق على نسب معينة لتوزيع الأرباح الدورية وأخرى لتوزيع الأرباح الرأسمالية، كما يجوز الاتفاق على تفاوت النسب باختلاف الأرباح المحققة كأن يتفق على نسب محددة لتوزيع الألف الأولى من الربح، ونسب أخرى لتوزيع الألف الثانية وهكذا كما يجوز تحديد جزء من الربح مقابل العمل والإدارة ، وذلك باعتبار أن كل هذا لا يقطع الشركة في الربح . وفي حالة عدم اتفاق الشركاء على نسبة توزيع الربح، فيتم التوزيع على أساس نسبة رأس المال والتي تتغير من سنة إلى أخرى في المشاركات المتناقصة.
(5) توزيع الخسارة بنسب رأس المال(22)، حيث تعتبر الخسارة - في حالة وقوعها - نقصاً في الملك، ولذا فهي توزع على حسب حصص الشركاء، وتخفض بها هذه القيم بصرف النظر عن حصص توزيع الأرباح، وكذا بصرف النظر عن مساهمة أصحاب هذه الحصص في الإدارة من عدمه.
ولما كانت حصص الشركاء تتغير في المشاركات المتناقصة من فترة لأخرى فهي تزيد بالنسبة للشريك المستمر وتتناقص بالنسبة للشريك المتخارج، فإنه يلزم تغيير نسبة توزيع الخسارة بين الشركاء تبعا ًلتغير حصصهم في رأس المال.
ونخلص مما سبق إلى جواز المشاركات التى تقوم على تقديم الطرفان لرأس المال والعمل مع تخارج أحدهما ببيع حصته إلى الآخر تدريجياً ، كما يتضح أن هناك شروطاً تحكم صحة هذه المشاركات ، وأن هذه الشروط بعضها يتعلق برأس المال فى حين يتعلق البعض الآخر بالربح.