|
|
«حيفا ليست قرطبة» أولى مغامرات شوقي قسيس في عوالم الرواية |
|
نقلاً عن
نادي المال والاعمال:
كل الطرق تؤدي إلى العودة بعيون شوقي قسيس، في روايته التسجيلية (حيفا ليست قرطبة)، التي لا يعير اهتماما كبيرا فيها لاسم المكان المنشود والمقصود بتلك العودة، طالما أن هناك طفلا يولد مجددا، ويسجل في ذاكرته تفاصيل ذلك المكان المتراكمة دوما، إما عن طريق المعايشة الحية لها، أو من خلال تناقلها جيلا بعد آخر بين الفلسطينيين الذين هُجِّروا من ديارهم عنوة، أو مواطنيهم الذين ظلوا يعيشون على أرض الآباء والأجداد، ومن هنا يأتي عنوان هذا الكتاب، الذي يشير إلى أن حلم الفلسطينيين في العودة لا يندرج تحت إطار التطلعات الطوباوية العصية على التحقيق، بل إنه واقع معاش يعيشه الفلسطينيون أينما كانوا.
لو لم يتبع قسيس عنوان كتابه الرئيس بعنوان آخر فرعي يدل على جنس الكتابة المعتمدة فيه ويقول: إنها كتابة تسجيلية - لكان من السهل إدراج الأسلوب الأدبي الذي كتبه به في إطار تيار الواقعية السحرية، الذي أبدع فيه العديد من كتاب أميركا اللاتينية، وعلى رأسهم الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، ففي (حيفا ليس قرطبة) ثمة ذكريات رآها طفل لم يتجاوز السنة ونصف السنة من العمر، ولاتزال حاضرة وبقوة في ذاكرته بعد أن كبر وأصبح أبا يروي مشاهداته المبكرة جدا لأبنائه في المهجر.
حقائق
الكتاب الذي يقع في 464 صفحة، والصادر مطلع عام 2011 الجاري، عن مؤسسة الرؤى للطباعة والنشر والتوزيع ودار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت، يتوقف عند العديد من المحطات في حياة الفلسطيني، ويطرح العديد من الأسئلة حول مصائر الفلسطينيين بأبعادها الجغرافية والديمغرافية، وحتى الدينية والطائفية، لاسيما وأن مؤلف الكتاب ينتمي إلى طائفة الموحدين الدروز، وولد في مدينة حيفا وترعرع في بلدة الرامة الفلسطينية، مسقط رأس الشاعر الفلسطيني سميح القاسم.
وليس من باب الدفاع عن أبناء الطائفة الدرزية من الفلسطينيين، ولكن ربما من باب توضيح مجموعة من الحقائق المتعلقة بهم، يستفيض قسيس قليلا في إلقاء الضوء على بعض الحقائق التي يبدو أنه لابد من التوقف عندها عند مناقشة هذا الجانب التاريخي في حياة القضية الفلسطينية وموقع المعروفين فيها، لاسيما بعد أن وقعت قيادتهم في أوائل الخمسينات على مرسوم يفرض على الشباب الدروز الخدمة الاجبارية في جيش الدولة العربية، الأمر الذي وضعهم في مأزق، فبقية العرب الفلسطينيين يتهمونهم بالخيانة، بينما لا يثق اليهود بهم ويميزون ضدهم مثلما يميزون ضد أبناء الشعب الفلسطيني، أما الواقع، كما يشير الكاتب، فيشي بأن الدروز لا يختلفون عن بقية طوائف فلسطين، فالاحتلال بكل بشاعته وقع على رؤوسهم، مثلما وقع على بقية أبناء الشعب الفلسطيني.
تداخل الحياة الشخصية مع الحياة العامة في سيرة الفلسطيني شوقي قسيس ليس استثناء، بل إن ذلك التداخل يشكل السمة الأساسية لحياته وحياة مواطنيه جميعا؛ لذلك يصعب الوقوف في (حيفا ليست قرطبة) على أي حدود فاصلة ما بين الخاص والعام، وما بين الوطني والقومي، وما بين الفردي والانساني، صحيح أن بداية خيوط الحكاية لا تلبث أن تنسج في بلدة الرامة حتى تعود إليها عبر تكرار العديد من المشاهد المفصلية في الكتاب، على غرار الحوارات التي تجري بين الأب (قسيس) وابنه في الولايات المتحدة، حول مسرحيات لوليام شكسبير، وتتخللها عبارات وآراء على لسان الابن تتطابق مع مثيلات لها، قالها الجد لابنه قسيس أيام الصبى عندما كان يذهب إلى مدرسة البلدة.
من الرامة إلى تل أبيب وصولا إلى الولايات المتحدة، مرورا ببئر السبع وبيروت والقاهرة وغيرها من المدن، ومن ثم العودة إليها عن طريق الذكريات والزيارات، ثمة خيط واحد يقود مسيرة حياة إنسان مسكون برائحة الصعتر البري يروي (حكاية غير كاملة لجيل فلسطيني، مع إتمام عملية السطو المسلح على فلسطين، ووجد نفسه مترجما حتى النخاع، ويسيطر عليه قطعان من الأغراب). |
|
|
|
|
|